الثلاثاء، 21 أبريل 2009

وفاء بالدمــ ..



..

السلام عليكم

اشتهر العرب بصفات أخلاقية نبيلة منذ القدم وأتى الإسلام ورسخ دعائمها، فالعرب مضرب المثل في الكرم والوفاء والشجاعة و..الخ ، هذه الصفات والخصوصيات بدأت تذبل مع العولمة وتمازج الحضارات.

خلق الوفاء من الأخلاق الفاضلة التي تميّز صاحب المعدن الطيب و(اللحية الغانمة) عن صاحب (الهرج والمرج)، قصة قصيرة حفظتها قديماً ولازالت راسخة باقية في الذهن تظهر كلما مرّ موقف يستعديها لتستثير (النخوة) العربية والإسلامية التي تربينا عليها..

تقول القصة :

اختلف امرؤ القيس مع قيصر الروم، فطلب منه قيصر الروم القدوم عليه فعلم امرؤ القيس أنها (الزيارة الأخيرة) وأن القيصر (ناوي شر) فذهب بكنوز آبائه الثمينة إلى حاكم تيماء الشاعر الشهير (السموأل الأزدي) واستودعه إياها راثياً نفسه (وكان معه صديقه) :
بكى صاحبي لما رأى الدرب.......... دونه وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما .............. نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا

فحصل ماكان يتوقع وقتله القيصر (الغادر)، حينها طلب (ملك كندة) الكنوز التي لدى السموأل، لكن السموأل بشيمة الأبطال وأنفة الرجال رفض ذلك إطلاقاً، فحرك الملك جحافل جيشه متجهاً إلى حصن (الأبلق) الذي يأوي السموأل، فسارع السموأل بتجهيز الحصن وإغلاق منافذه وكان ابنه في رحلة صيد، حاصر جيش ملك كندة الحصن وظفر بابن السموأل (البرئ) الذي لايعرف ماذا حدث، فصاح ملك كندة بالسموأل : ظفرنا بابنك وهاهو أمامك، إما أن تسلمنا الكنوز أو ستفقد ابنك، وأحضر السيف فوضعه على رقبته، حينها بدأ الأزديين بالتخفيف عن زعيمهم وتهوين أمر (تسليم الأمانة) وأننا قد استنفذنا وسعنا..

أطل السموأل على الملك وابنه فقال: ورب السماء لن أخون ذمتي .. ولن أجعل العرب تعيرني بقلة وفائي .. وولدي بين يديك أمانة فإن قتلته كنتُ وبقية أولادي له خير خلف وإن تركته ما كنت لأعطيك أمانة في عنقي .. فافعل ما شئت ..حينها أمر الملك السيَّاف أن يقتل ابنه أمامه .. فقال السموأل :

وفيتُ بأدرع الكندي إني ــــــــــ إذا ما خان أقوامٌ وفيت
وأوصى عادياً* بأن لا ــــــــــ تخرِّب يا سموأل ما بنيتُ
بنى لي عادياً حصناً حصيناً ـــــــ وماء كلما شئت اشتفيتُ

* عادياً : اسم ابوه ..


واستمر الملك الكندي في محاصرته حتى يأس من اقتحام الحصن فعاد خائباً من حيث أتى، وبعد سنة قدم ورثة امرئ القيس له فأعطاهم الدروع والأمانة قائلاً:

وإنا لقومٌ لا نرى القتل سبة ـــــــــــــ إذا ما رأته عامرٌ وسلولُ

يقرِّب حب الموت آجالنا لها ــــــــــــ وتكرهه آجالهم فتطول

إذا سيدٌ منا خلا قام سيدٌ ــــــــــــ قؤولٌ لما قال الكرام فعولُ


..

وقد قصَّ الأعشى "صناجة العرب" قصة السموأل في ملحمة شعرية يقولُ فيها:

كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ــــــــــــ في جحفل كسواد الليل جرَّار

بالأبلق الفرد من تيماء منزله ـــــــــــــــ حصن حصين وجار غير غدار

فقال: ثكلٌ وغدرٌ أنت بينهما ــــــــــــــ فاخنر فما فيهما حظٌ لمختار

أأقتل إبنك صبراً أو تجيء بها ـــــــــــــــ طوعاً؟، فأنكر هذا أي إنكار

فشك غير طويل ثم قال له: ـــــــــــــــ أقتلْ أسيرك إني مانعٌ جاري

أنا له خلفُ إن كنت قاتله ــــــــــــــ وإن قتلتَ كريماً غيرَ خوَّار

وسوف يعقبهُ إن كنت قاتله ــــــــــــ ربٌّ كريمٌ وبيض ذات أطهار

فقال محتدماً إذ قام يقتله: ــــــــــــ أشرف سموأل وانظر للدم الجار

يفشج أوداجه والصدر في مضضٍ ـــــــــــ عليه منطوياً كاللذع بالنار

واختار أدرعه كيلا يُسبَّ بها ـــــــــــــ ولم يكن عهده فيها بختَّار

وقال لا أشتري عاراً بمكرمةٍ ــــــــــــ واختار مكرمة الدنيا على العار

والصبر منه قديماً شيمة خلقٍ ـــــــــــ وزنده في الوفاء الثاقب الواري


..

يازين الوفاء ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق