الخميس، 16 أبريل 2009

ليبرالي يدعو الإسلاميين للمصالحة..



إصلاح البوصلة

خالد الغنّامي


بعد عشر سنوات من الخلاف مع الإخوة في التيار الصحوي حول النصوص وتفسيرها وما ارتبط بها من بعض المسائل الفقهية التي تحدثت فيها, ليس لرغبتي في أن أقدم نفسي كفقيه وإنما لقوة مساسها بحياتي وحياة الناس, أعترف أنني كنت حاداً وقاسياً في بعض ما كتبت, برغم ثباتي على نفس الأفكار, لكن قد قال الشاعر من قبل :تقول ذا جنى للنحل تمدحه **** وإن شئت قلت ذا قيء الزنابيرمدح وذم وما جازا حقيقته ***** والحق قد يعتريه سوء تعبيرأستطيع أن ألخص الخلاف - من وجهة نظري – في جملة : إن قلت للإخوة, هذا ما قالته نصوص القرآن والسنة، قالوا لي : ( القرآن والسنة يفهمان بفهم العلماء وليس بفهمك)، وإن قلت لهم : تعالوا انظروا ماذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، قالوا :( سبحان الله .. نترك نصوص الكتاب والسنة ونسمع للفقهاء !!! ) . و هكذا بقينا ندور في حلقة مفرغة لم نستطع أن نخرج منها, ولم نستطع أن نصل إلى اتفاق على أي شيء, ودعونا لا نقف طويلاً عند عبارات التخوين واتهام النوايا لأنها لم تصدر إلا من عدد قليل يعوزهم الورع والخلق الإسلامي الرفيع ممن لا يمثلون سوى أنفسهم . صديق لي - موجود الآن في مسنجري – جمعتنا المحبة الإنسانية وتميّزه الذهني عن أقرانه, فالغالب أن من غلب عليه التفكير الأيديولوجي لا يبقى في قلبه مجال للعلاقات الإنسانية الطبيعية, بل تكون علاقاته مع الناس – في الغالب - مبنية على قاعدة : " هل أنت معي أم ضدي؟ " فإن استطعت أن تتجرأ وتستحمق لتقول: " لست معك في هذه القضية " فأنت عدوّه في كل قضية وفي كل معركة. غير أن صاحبي هذا ليس كذلك, وإن كان اختلافنا وشجارنا أكثر من اتفاقنا, لكن لا بأس. تناقشنا مرة حول القضايا التي يتكرر النقاش فيها كل يوم في بلدنا, مثل ( حكم الموسيقى وصلاة الجماعة ) فقرر صاحبي ضرورة إنكار المنكر وأنه يرى أنه لا بد من الإنكار وتبيين الحق عند وجود النص حتى لو كان هذا الواقع في ذلك " المنكر المزعوم " يقلد إماماً مثل أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو ابن حنبل أو ابن حزم, برغم أن هؤلاء هم أئمة السنة ورؤوس المدارس الفقهية في البيت السني !! أبو حنيفة – وحده – يقدر أتباعه الأحياء اليوم بمئات الملايين، فضلاً عمن مات من المسلمين في القرون السالفة!!مسألة " الإنكار في مسائل الخلاف" تلك المسألة التي استطاع الفقهاء المسلمون أن يحققوا فيها إنجازاً مبكراً في قرون الإسلام الأولى بحيث قالوا : "نصلي خلف المخالف وكل من كان له إمام فقد برئت ذمته ولا إنكار في مسائل الخلاف " واشترطوا لهذا أن يكون المتبوع إماماً من الأئمة الكبار الموثوقين. في القرن السابع (أو الثامن ) سجل أحمد بن تيميّة( توفي 728 للهجرة ) اعتراضاً على هذا المبدأ وقرر ضرورة التفريق بين مسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف, وأن مسائل الاجتهاد – بحسب تفريقه - هي ما لا نص فيه وهذه لا إنكار فيها على المخالف فيها, وأن مسائل الخلاف هي التي اختلف فيها الناس برغم وجود النص، وهذه قال بوجوب الإنكار فيها على المخالف. بعد هذا عاد الإنكار والخلاف ومحاولة كل صاحب مذهب أن يفرض رأيه بالقوة, ثم اصطلح على أن تفرض كل دولة المذهب الذي تتبناه على رعاياها. فات على كثيرين أن ابن تيميّة نفسه رجع عن رأيه هذا في التفريق بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد، ففي سجنه الذي مات فيه طلب منه تلاميذه أن يكتب مختصراً فقهياً يضم اختياراته فقال لهم إن الفروع ( الفقهيات ) أمرها هين ومن تبع فيها إماماً فلا حرج عليه, وله نصوص كثيرة تدل على هذا, لنتأمل في هذه النقول عنه حيث يقول في ( مختصر الفتاوى المصرية ص 42 ) : " وإذا كان الرجل متبعاً لبعض الأئمة فرأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان أحسن ولم يقدح ذلك في عدالته بلا نزاع بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله ورسوله ممن يتعصب لواحد معين غير النبي صلى الله عليه وسلم " ويقول: "فالأئمة اجتماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة " ويقول ص 43 من نفس المرجع: "وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله الأتراك عليهم كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب". هذا الكلام هو عين العقل, لأن القضية ليست مجرد ثبوت النص من عدم ثبوته، فقد يثبت ويصح عند كل الأئمة لكن يختلفون في فهمه، فهذا يفهم من النهي التحريم وذاك يفهم الكراهة أو هذا يفهم من الأمر الوجوب وذاك يفهم الاستحباب، ولن تجتمع كلمة الأمة إلا عندما تتحقق سعة الصدر للاختلاف المقبول وبحيث نسمو عن مثل هذه الخلافات التي هي من الانشغال بالجزئيات عن الكليات, وانغلاق يقود إلى أن ينتقص ويحتقر الإنسان إخوانه ويتصور الطهر والنقاء في نفسه فقط . ليكن سؤالنا دائماً ليس فقط عن علام نتفق, بلا وأيضاً علام نختلف، وما سبب الخلاف وكيف نفهمه, فإن هذه الطريقة في التفكير هي ما يجعل الإنسان شجاعاً مقداماً مقبلاً على ما أمامه وطريقة مخالفه هي التي يغلب عليها الخوف والانكفاء على الذات والعجز عن الإنتاج والإبداع. غايتي هنا، أن نحاول جميعاً، أن ننقي قلوبنا من الشوائب الدخيلة التي لا تليق بنا، وأن نخرج من حلبة الصراع غير المبرر, وأن نصلح بوصلاتنا لكي نضع أقدامنا على الطريق من جديد.


المصدر : جريدة الوطن

هناك 5 تعليقات:

  1. كلام جميل ... هل فيه استجابة ؟؟ أو تطبيق من الجهتين ؟

    ردحذف
  2. كلام معسول :D ..
    لكن في النهاية يدعو للنقاش فيما هو أكبر من التفرعات ، أي النقاش في الأصول أو ماشابه !
    هذا ماتبادر إليه فهمي .

    فنحن نعلم أن النقاش في الجزئيات مع هؤلاء لا يؤتي أكله ! فكيف وإذا كان النقاش في الأصول ، لكن هذا لا يعني أن تكون عقلياتنا وقناعاتنا حكرًا عليها نفسها ، يلزمنا النقاش بوعي أكثر وأن نناقش الأفكار لا الأشخاص :) .

    ردحذف
  3. لايزال داخل الدائرة التي ذكرها في منتصف
    مقاله !

    ردحذف
  4. ولازلنا نحن ندور في دائرة الرفض والظن السيء..
    أليس من الأولى جذب هذه النوعيات وتقبلها وفتح الحوار الجميل معها خارج سوء الظن وافتراض أسوأ الاحتمالات ..

    أما آن لنا أن أن نبدأ التراضي الشعبي بين كل الأطياف؟؟
    لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في كثير من مواقفه.. يسمع الطرف الآخر بكل اريحية وهدوء .. ثم يبدأ صلى الله عليه وسلم بعرض ديننا الحنيف الرائع بدون الإساءة والتجريح لما ذكره الخصم من غباء وجهل، لماذا لانطرح مالدينا من حلول ومشاريع حضارية بدل أن ننقد ونهجم على الآخرين ؟؟

    ردحذف
  5. حمدان..
    أنا معك مية مية..
    وهو حيث أن نفتح أبوابنا لقبول كل النظريات ومن ثم الرد و النقاش الحضاري .
    أما أن نسب ونشتم ونخرج وندخل ، فهذا هو التخلف بعينه..
    ..
    دمت

    ردحذف